الاسرة في الاسلام :
بسم الله والحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وأصحابه والسالكين سبيله ، والداعين بدعوته إلى يوم الدين .
وبعد ,,,
فهذا بحث حول محضن رئيسي من محاضن التربية في الإسلام , آلا وهو :" الأسرة " , ولكي يكون لدينا التصور الدقيق عن الأسرة ورسالتها سنجعل الحديث يدور على النحو التالي :
أولا : تعريف الأسرة :
لغة : الأسرة في اللغة مشتقة من الأسر ، " نحن خلقناهم وشددنا أسرهم "1 , أو القيد الذي يقيد أو يربط به , تقول هذا أسر الأسر أي قيده
, أو كل الشيء أو جميعه , تقول هذا الشيء لك بأسرة أي كله , وجاءوا بأسرهم يعني جميعهم.
وانطلاقا من ذلك فإن الأسرة تطلق ويراد بها :
- الدرع الحصينة وسميت بذلك ؛ لإحكام صنعتها حتى كأنها حصن يقي لمن لاذ به واحتمى فيه من ضربات الأعادي .
- أو أهل الرجل وعشيرته ورهطه الأدنون , وسموا بذلك ؛ لقوة الرباط الذي يربطهم ويوفر لهم الحماية والمنعة .
- أو الجماعة يربطها أمر مشترك وسُمُّو بذلك ؛ للأمر الذي يربطهم ويجمع بينهم 2 .
عرفا : ثم شاع استعمالها عرفاً في المعنى الثاني وهو : أهل الرجل وعشيرته بحيث إذا أطلقت كلمة " أسرة " انصرف الذهن مباشرة إلى مجموعة أفراد ذوي صلات معينة من قرابة أو نسب يعيشون معا ، أو ينحدر بعضهم من بعض 3
اصطلاحا : أما في اصطلاح الدعاة ، فإن الأسرة تطلق ويراد بها :
نفر من المسلمين يتعارفون فيما بينهم ، ويلتقون على طائفة من المناشط الفكرية والسلوكية تستوعب الحياة كلها وتؤهل العمل الجماعي من أجل استئناف حياة إسلامية كريمة تصان فيها الدماء والأموال والأعراض ويقام فيها حكم الله عز وجل في الأرض .
وواضح من هذا التعريف أنه يلتقي لكن بصورة أخص مع المعنى اللغوي الثالث للأسرة .
ثانيا : تاريخ نشأتها وتطورها :
وتعود الأسرة في نشأتها إلى عصر النبوة ؛ إذ كان من هديه ومن منهجه – صلى الله عليه وسلم – في العمل لدين الله , أن يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند رجل به قوة وسعة من المال فيكونان معه ، ويصيبان من فضل طعامه ، ويجعل منهم حلقات فمن حفظ شيئا من القرآن ، علمه من لمن يحفظ ، فيُكَوِّن من هذه الجماعات أُسَر تجمعهم أخوة وحلقات تعليم .
ولقد كان من بين الأسر : أسرة سعيد بن زيد مع زوجتة فاطمة بنت الخطاب ونعيم بن عبد الله النحام ، وخباب بن الأرت .
جاء في إسلام عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – قول ابن إسحاق :
" وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتته الطائفة من أصحابه ، نظر إلى أولي السعة فيقول عندك فلان فليكن إليك ، فوافق ذلك ابن عم عمر ، وختنه – زوج أخته – سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فدفع إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خباب بن الأرت ، مولى ثابت بن أم أنمار خليف بني زهرة ................ ".
ولما بايع الأنصار النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى ما يشبه الأسر أو البيوت فجعلهم اثنتى عشرة أسرة أو بيتا ، وجعل على كل أسرة نقيبا , فصار عدد النقباء اثنى عشر ، تسعة من الخزرج , هم :
(أسعد بن زرارة - سعد بن الربيع - عبد الله بن رواحة - رافع بن مالك - البراء بن معرور - عبد الله بن عمرو بن حرام - عبادة بن الصامت - سعد بن عبادة - المنذر بن عمرو بن خنيس ).
وثلاثة آخرين هم :
( أسيد بن حضير - يعد بن خيمثه - رفاعة بن عبد المنذر )
وأخذ – صلى الله عليه وسلم – العهد والميثاق على هؤلاء النقباء قائلاً:
" أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ، ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم ، وأنا كفيل على قومي – يعني المسلمين – " قالوا : نعم ".
ولما أكرم الله نبيه محمداً- صلى الله عليه وسلم – بالهجرة إلى المدينة المنورة وأخذ - صلى الله عليه وسلم - في وضع أسس المجتمع الجديد , فجعل من بين هذه الأسس الوحدة الجامعة للمسلمين مهاجرين وأنصار .
فقسمهم إلى أسر وبيوت تعيش كل واحدة منها الإسلام فهماً وسلوكاً , فكراً وتطبيقا , فلا أثرة ، ولا أنانيه ، ولا بخل ولا شح ، بل إيثار ، وتعاون وتراحم ومواساة ولا تقدم ولا تأخر على أساس من النسب واللون والوطن , بل على أساس من المروءة والتقوى , ولا حمية ولا عصبية إلا للإسلام .
وتحفظ من هذه الأسر أسرة أبي الدرداء وسلمان الفارسي وأسرة سعد المستعدة للبذل والعطاء والتضحية والفداء فيكثر بها سواء المسلمين العاملين , والربط بين أبناء الأسرة الواحدة ، بحيث يصدرون عن رأي واحد ، ويصيرون فكراً واحداً , وقلباً واحداً , وروحاً واحدة , ومشاعر واحدة , وإن تعددت الأجساد .
ثانياً : أهدافها :
وفي ضوء التعريف المذكور يمكن أن نتبن أهداف الأسرة وهي :
1- النهوض أو الارتقاء بأخوة أبنائها من مستوى الكلام والنظريات إلى مستوى الأفعال والعمليات .
2- النهوض أو الارتقاء بمستوى أبنائها روحيا.
3- النهوض أو الارتقاء بمستوى أبنائها فكريا.
4- النهوض أو الارتقاء بمستوى أبنائها بدنياً .
5- النهوض أو الارتقاء بمستوى أبنائها دعويا .
6- النهوض أو الإمكان على حل المشكلات وتذليل الصعوبات التي تواجه أبناءها .
ثالثا: الأركان أو الأسس التي تقوم عليها :
وللأسرة عدة أركان أو أسس تقوم عليها وتتصل بأهدافها اتصالا وثيقا وهي :
1- التعارف :
على معنى أن الركن الأول ، أو الأساس الأول ، الذي تقوم عليه الأسرة إنما هو التعارف .
والمقصود بالتعارف :
أن يعرف كل واحد من أبناء الأسرة علاقته بإخوانه وواجبه نحوهم - في ضوء قول الله عز وجل :
" إنما المؤمنون إخوة " 4 , " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " .
وفي ضوء قول الرسول – صلى الله عليه وسلم :
" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " , " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه " - معرفة تثمر التواد والتحاب بروح الله , واستشعار معنى الأخوة الصحيحة الكاملة فيما بينهم والاجتهاد ألا يعكر صفوها شيء .
2- التفاهم :
على معنى أن الركن الثاني أو الأساس الثاني الذي تقوم عليه الأسرة إنما هو التفاهم ، من حديث النعمان بن بشير ، غير أنه قال :" مثل الجسد بحذف الكاف " والواحد "
ابن الربيع ، وعبد الرحمن بن عوف وأسرة عتبان بن مالك وعمر بن الخطاب
ولقد ظل عيش المسلمين على النحو الذي رسمنا طوال عصور الإسلام الزاهرة ، ثم أتى على المسلمين زمان تحولت فيه مبادئ الأخوة الإسلامية من عقد نافذ وحقيقة واقعة إلى كلام على الألسنة وإلى خيال في النفوس , وظلت الحال كذلك حتى أذن الله لهذه الأمة أن تبعث من جديد على يد المصلحين من أبنائها وعلى رأسهم الإمام الشهيد حسن البنا .
وإذا بنا في الرجل يعمل جاهداً على أن تكون الأسرة المحضن التربوي الأصيل في عملية البعث الإسلامي اقتداءاً وتأسياً بالنبي الأكرم محمد - صلى الله عليه وسلم .